كتب شاهد محمد ــ المغرب:
إن الهجرة هي من أبرز الظواهر التي أصبح العالم يشهدها في السنوات الأخيرة وأكثرها تأثيرًا، فمع بروز عدد من الأسباب والعوامل المؤدية إليها، سواء كانت أسباب اجتماعية محضة؛ مثل الهجرة بحثًا عن وضع أفضل، أو بسبب العوامل المرتبطة بالإشكالات السياسية والاقتصادية، فقد أصبحت قضايا الهجرة موضوع عدد كبير من الدراسات والأبحاث العلمية.
ومع انقسام العالم إلى دول مصدرة وأخرى مستقبلة للمهاجرين، باتت قضايا الهجرة تمس بشكل كبير عددًا من الفئات الاجتماعية، مما جعلها تتقاطع مع مجموعة من المطالب والحركات الاجتماعية؛ من بينها الحركات النسوية.
وإذا ما نظرنا إلى تاريخ الحركات النسوية في العالم؛ سنجد أنها اتخذت عددًا من الوسائل النضالية وأساليب الضغط من أجل تحقيق مطالبها في التحرر وتحقيق المساوة والتكافؤ، ولا شك أن الحركات النسوية في العالم العربي لا تختلف عن مثيلاثها الأولى في دول أوروبا وأمريكا.
وبالنظر إلى الإشكالات الأمنية التي تعيشها المنطقة العربية؛ مثل ما عرف بثورات الربيع العربي، وحتى المشاكل السياسية والاقتصادية التي يرجع سببها إلى سيادة أنظمة مستبدة ودكتاتورية؛ نجد بأن الحركات النسوية استطاعت استحداث مجموعة من الوسائل النضالية من أجل الضغط على الحكومات لتحقيق مطالبها.
وإذا ما أسقطنا ذلك على الواقع الحالي الذي تعيشه دولنا العربية؛ سنجد قضية الفتاة السعودية رهف القنون التي لجأت إلى الهرب من أسرتها إلى تايلاند ثم إلى كندا بسبب سوء تعامل أسرتها معها على حد زعمها، أنها كانت قضية بمثابة النقطة التي أفاضت الكأس؛ إذ أن القضية هذه أحيت عددًا كبيرًا من الأصوات النسوية داخل ما أسموه بـ”مملكة الذكور” مطالبين بذلك السلطات السعودية إلى أسقاط الولاية والتخلي عن القوانين والشروط البائدة التي تفرضها الحكومة السعودية على النساء؛ مثل فرض موافقة الولي قبل السفر.
وبالنظر إلى الضجة الإعلامية التي أحدثها قضية القنون، تحركت عدد من الهيئات التابعة للأمم المتحدة المتعلقة بحقوق الإنسان، إضافة إلى جمعيات ومنظمات حكومية وغير حكومية لمعالجة قضية رهف، ولعل ذلك كان كفرصة للناشطين الحقوقيين داخل المملكة العربية من أجل تسليط الضوء على الانتهاكات الصارخة في البلاد، والسياسية الممنهجة لتضييق الخناق على الناشطين الحقوقيين والمطالبين بالمساوات داخل المملكة.
إن الأوضاع الحقوقية المزرية داخل عدد من الدول العربية مثل المملكة العربية السعودية بما فيها أوضاع النساء على وجه الخصوص، دفعت بعدد من الناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي إلى التهديد بمغادرة المملكة إذا لم يتم إسقاط الولاية التي تفرضها الحكومة السعودية على النساء.
و لا شك أن التقارير الحقوقية الصادرة عن عدد من المنظمات الحقوقية؛ مثل تقرير أمنستي حول النشطاء السعوديين الذين يواجهون عقوبة الإعدام كالصادر بتاريخ ٣ ديسمبر ٢٠١٨ كشف جزءًا هامًا من التردي الحقوقي في المملكة، والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان داخل البلد مما دفع بالناشطين إلى التهديد بالهجرة هربًا من الاضطهاد.
لكن ما يجعل موضوع الهجرة في مجتمعاتنا العربية يحصد قدرًا كبيرًا من الاهتمام، هو كون الظاهرة لها إقبال واهتمام غير مسبوق حتى بالنسبة لمجتمعات ودول عربية يُضرب بها المثل في الاستقرار والرخاء الاجتماعي والاقتصادي؛ فعلى سبيل المثال طرحت قضية تقدم الدكتورة الكويتية فاطمة المطر بطلب لجوء إلى الولايات المتحدة الأمريكية عددًا من علامات الاستفهام.
الأمر الذي يجعلنا نعتبر أن الهجرة بالنسبة لمواطني الدول العربية باتت الملجأ الوحيد للهرب من انعدام الكرامة والمساواة، وكفر دولهم الأصلية بالمبادئ الأساسية لحقوق الإنسان والتي تنص عليها الاتفاقات الدولية.
إذا ما أردنا تحليل هذه الظاهرة بشكل علمي محايد، وبمنهج تاريخي تحليلي؛ سنجد كما أسلفنا بالبيان بأن الحركات النسوية منذ ظهورها تمكنت من الاستعانة بمختلف الوسائل النضالية من أجل تحقيق مطالبها في التحرر، بل واستطاعت بذلك تحقيق عدد من المكتسبات الحقوقية البارزة، نذكر على سبيل المثال دور الحركة النسوية المعروفة بـ“أمهات ميدان مايو” في الكشف عن مصير ضحايا الاختفاء القسري في الأرجنتين.
ويبقى السؤال المطروح هو: هل سنشهد حركة “أمهات ميدان مايو” جديدة في مجتمعاتنا العربية؟ هل تنطبق على المجتمعات العربية مقولة كارل ماركس القائلة بأن التغيرات الاجتماعية العظيمة مستحيلة دون ثورة نسائية؟ وهل ستكون الهجرة نحو الدول الغربية الملجأ الأخير للمطالبين بالمساواة والكرامة بعد أن فشلت جميع محاولات التغيير والإصلاح؟
الكتَّاب المنشورة موادهم على الموقع لا تُعبِّر بالضرورة عن رأي الهيئة.